المحاماة.. أهدافها نبيلة ومشكلاتها كبيرة
يعقوب يوسف جبر
المهام الأساسية للمحامي تتمثل في التوكل والدفاع والمساعدة القانونية
لمن يطلب ذلك مقابل مبلغ مالي أو تطوعاً، وقد تكلف المحاكم محامياً للدفاع في الحالة التي لا يستطيع فيها المتهم دفع أتعاب المحامي.
ولذلك فإن مهنة المحاماة مهنة شاقة تحتاج إلى مجهود كبير. يمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية: المرافعة أمام المحاكم المدنية/ الدفاع عن المتهمين في القضايا الجزائية/ التحكيم والمصالحة والوساطة بين الخصوم/ الإنابة وتمثيل الأشخاص أمام الجهات الحكومية وغير الحكومية/ إعداد العقود بكافة أنواعها/ مساعدة القضاء في بيان الحقيقة/ تسهيل إجراءات التقاضي بين الأفراد/ تقديم الاستشارات القانونية.
المحاماة ضرورية لدوائر الدولة
كان لنا لقاء مفصل مع ثلة من المحامين وغيرهم استطلعنا انطباعاتهم بالنسبة لمهنة المحاماة، وما هو صدى هذه المهنة وانعكاساتها على حيثيات الواقع الاجتماعي، بدأنا الحديث مع المحامي جميل كاظم عبيد العكيلي الذي قال: “مهنة المحاماة من المهن الراقية التي يمتهنها بعض الملوك والرؤساء وهي أحد أركان القضاء، ولا تتم أية محاكمة دون وجود المحامي للدفاع عن المتهم، لأن المحاماة أحد روافد القضاء ولا تكتمل أية قضية دون وجود المحامي للدفاع عن المتهم حسب نسبة الحق التي يمتلكها، لكن ما يقلقنا، نحن المحامين، عدم وجود رجال قانون في بعض دوائر الدولة للاطلاع على البيانات القانونية وإن مدير أية دائرة يجب أن يستعين بمحامٍ لاستشارته في أغلب القرارات الحساسة والمهمة، لذلك ترتكب الدوائر الأخطاء لعدم استعانتها بمشاورين قانونيين، وثمة قضاة لا يطلعون على دفوع المحامين، كما أن توكيل المحامين بالنسبة لبعض القضايا من قبل المحاكم بصورة انتداب، يحتاج إلى المزيد من العناية، فمثلاً يتم تعطيل استيفاء أجور المحامين رغم أن التخصيصات المالية لمجلس القضاء الأعلى ضخمة، ورغم مطالباتنا المستمرة لرئيس محكمة الاستئناف بصرف هذه الأجور لكن دون جدوى فلا نسمع سوى الوعود .”
مخاصمة المحامين
يقول المحامي علي خميس شنان: “مهنة المحاماة الهدف من مزاولتها إحقاق الحق، لكن ثمة مشكلات تواجه المحامين منها مخاصمة المحامين من قبل بعض المواطنين شخصياً رغم أن المحامي يدافع عن الحق، والسبب أن هؤلاء المواطنين يجهلون القانون ويجهلون قيمة المحاماة ويحرصون على الدفاع عن بعض منافعهم الشخصية رغم أنها تصطدم بالمواد القانونية وتعد من المخالفات أو الجنح وما شابه ذلك، ومن المفارقات التي تظهر في الواقع الاجتماعي أن المحامين عندما يمارسون دور الدفاع وتوكل إليهم هذه المهمة فهم غير ملزمين بتحقيق النتيجة التي تتضمن تبرئة المتهم، فمن الممكن أن يكون المتهم بعض الأحيان غير بريء ويستحق الجزاء العادل، لذلك ليس من حق أي متهم فرض التبرئة على المحامي فهذا سيفرغ المحاماة من محتواها وسيسلب المحامي دوره القانوني، لأن دور المحامي يكمن في البحث عن الحق والدفاع عنه في حال امتلاك المتهم لهذا الحق لكن عندما لا يملك المتهم الحق فإن المحامي سينتهي دوره، عندها يقوم القاضي بتنفيذ المادة القانونية الملائمة بحق المتهم لتحقيق العدالة. للأسف إن الكثير من المواطنين يجهلون القانون ولا يملكون ثقافة قانونية ما ينعكس بدوره على مهنة المحاماة والمحامين وطبيعة تعاطيهم مع المجتمع، لذلك أقترح كرجل قانون إضافة مادة القانون إلى المناهج الدراسية في بعض المراحل الدراسية في العراق. “
سعة الصدر والتواضع
يقول المحامي علي العبودي: “ينبغي للمحامي أن يكون متواضعاً ذا سعة صدر جريئاً مفوّهاً يملك القدرة على دحض موضوع الدعوى المزيف بالحجج والأدلة الحقانية التي يملكها لإحقاق الحق.”
مهنة مستقلة
يقول المحامي أحمد عويد الكعبي: “المحاماة مهنة مستقلة والمحامي على تماس مباشر مع جميع شرائح المجتمع للدفاع عن الحق حينما يتم هضمه ومن ثم إرجاعه إلى أهله، اما ما يخص متاجرة المحامين بمهنتهم فهي تهمة ملفقة لا صحة لها.”
وسيلة للرزق
يقول المواطن أمير الخفاجي: “المحاماة في الوقت الحاضر مجرد وسيلة للرزق كما أن المحاماة لا تستطيع مجابهة التيارات العشائرية والإغراءات المادية والجاه والسلطة أحياناً إضافة الى افتقار المحامين الجدد الى الحنكة والفن في التعامل مع المشكلة الموكلة اليهم فتراهم يلجأون الى الأقدم منهم سناً او خبرة فيملون عليهم حلولاً سريعة او مرضية فقط دون الأخذ بنظر الاعتبار ان المحاماة هي مجال للابداع واكتساب الخبرة التي لا تأتي الا من خلال التمرس الفردي.”
المحاماة والفساد
يقول المدرس فراس العتابي: “مهنة المحاماة كوظيفة حكومية مثل بعض الوظائف الاخرى التي طالها الفساد حيث يقوم بعض المحامين بالتنسيق مع بعض القضاة لأجل كسب القضية مسبقا، وهنالك شواهد على ما أقول؛ منها احتكار القضايا من قبل بعض المحامين لسبب أنهم يملكون القدرة على كسب القضية، لذلك يجب ان يتحلى المحامي بروح التعاون والاندفاع لخدمة القضية القانونية ويجب ان لا ينسى دوره الحقيقي والمهني الفاعل في حل المشاكل الاجتماعية وان يكون نزيهاً لا منحازاً بسبب المغريات.”
سمعة المهنة
يقول المواطن باسم محمد حبيب: “مهنة المحاماة من المهن التي ارتبطت بتطور المؤسسة القضائية وهي عامل مهم في سير العملية القضائية لأن المحامين اكثر معرفة ودراية بنصوص القوانين ومطالب القضاء من المواطن العادي، كما لا يخفى أن غلبة الناحية المادية على الناحية الإنسانية قد انتجت سلوكيات جديدة في هذه المهنة لم تكن معهودة في السابق وقد يكون هذا حال الكثير من المهن الأخرى، لذلك تتوجب عملية مراجعة هذا الأمر لغرض إيجاد إطار عام لعمل المحاماة يحدد بشكل واضح حقوقهم وواجباتهم وان توضع ضوابط لعملهم تحمي مهنتهم وتجعلها بعيدة عما يمكن ان يسيء إليها.”
المتاجرة بالمهنة
يقول المواطن عبد السلام: “المحامي يستخدم القانون للوصول الى حكم عادل لكسب قضية معينة، وهذا هو اصل المحاماة، اما اليوم فلا أجد تفعيلاً لتلك الكلمات بالنسبة لبعض المحامين سوى الانهماك في الملذات المستقاة من أموال السحت، حيث أصبحت المحاماة اليوم قفزاً على القوانين وعبارة عن رشا لتغيير القانون والانتصار على الظالم من اجل حفنة من الأموال، ناهيك عن أخلاق المحامين التي انتهت الى الاستهتار بمقدرات المواطن العراقي والمواطنة العراقية خاصة في محاكم الأحوال الشخصية وقضايا الطلاق والزواج فأكثرهم يشجعون على الطلاق طمعا بالمال وقد خسروا شرف المهنة لهذين السببين، وهذا ما نراه اليوم في المحاكم العراقية.”
اما المواطن أبو وسام الركابي فقد قال: “يحتاج المحامون من قبل الدولة إلى اهتمام اكبر كما يحتاج المواطن إلى تثقيف لكي يتعرف على واجب ومهام المحامي واقصد المحامي الوطني صاحب الضمير الذي يحترم عمله لكن للأسف ثمة محامون يعملون بصفة معقبين والهدف المتاجرة بمهنتهم، وأحيانا طبيعة الواقع الاجتماعي وتقلباته تفضي إلى ارتكاب هذا الخطأ من بعض المحامين ولا يصمد إلا العصامي.”
تعريف المهنة
يقول المواطن صادق جعفر الخير الله: “قد يقع الإنسان في محنة من محن الحياة وقد يؤول به الأمر إلى القضاء فلا يجد من يدافع عنه، قد يكون لفقر مدقع فلا يستطيع دفع تكاليف ترافع المحامي عنه. وعملية الترافع القضائية ليست بالمبدأ المستحدث، فقد عُرفت في القضاء الإسلامي حيث كان الخصم الذي لا يحسن الترافع أمام القاضي يستعين بمن يملك نجدته في عرض قضيته ودعم حقه، وبعد أن توسع مفهوم هذا المبدأ من مجرد فكرة إلى مجال التطبيق، تحول مدلوله أيضاً من مرحلة الإحسان إلى مرتبة الواجب. لكننا لا نرى هذا الواجب كثيرا في هذه الايام حيث أصبحت المغريات المادية هي الغالبة على مبدأ الإحسان، سبق أن وكلت محامياً معروفاً للترافع عني في قضية مهمة مع خصم ذي مكانة مادية عالية ففوجئت بأن المحامي أعاد لي ما دفعت من تكاليف له مقابل الدفاع عني، لكنني علمت أنه تقاضى من خصمي خمسة أضعاف ما دفعته له من أجور، فأين المروءة؟ وأين أخلاقيات المهنة؟”
المحاماة مهنة الأذكياء
يقول الإعلامي علي العتابي: “إن هذه المهنة من المهن التي تعتمد على الذكاء والدهاء، فحسب رأيي أنها أهم من مهنة القضاء لكون الذي يمارس هذه المهنة يكون في تماس مع الاحتيال على من يريد اللعب على القانون فيجب عليه أن لا يهادن على الحق ونصرة الباطل وإن عرضت عليه المبالغ الكبيرة مقابل الترافع للباطل، فهي في النهاية مهنة تحمل من الخطورة ما يجعلها تؤثر في بناء مستقبل المجتمع.”
المحاماة والديمقراطية
من المؤكد أن المحاماة قرينة الديمقراطية ولصيقة بها لأنها تمثل موردا للدفاع عن حقوق الإنسان، لذلك ينبغي إعادة النظر بمواد قانون المحاماة الحالي لكي ينسجم مع مبادئ الديمقراطية، كما أنها دعوة من الرأي العام إلى نقابة المحامين لإلغاء بعض القرارات التي لا تنسجم مع مهنة المحاماة منها قرار منح الانتماء إلى النقابة حسب الأولوية العمرية لفئات عمرية محددة ممن أكملوا الدراسة في كليات القانون في العراق وحصلوا على شهادة البكلوريوس، دون الأخذ بنظر الاعتبار المستوى التعليمي والقانوني العالي لبعض الخريجين رغم كبر سنهم ممن يصلحون كمحامين كفوئين بمجرد مباشرتهم كمحامين لفترة وجيزة عبر التطبيق في المحاكم، فالعبرة ليست في المستوى العمري بل في قابلية الشخص ومستواه الثقافي القانوني فقد يحصل شخص من الشباب على هوية الانتماء إلى النقابة لكنه يفتقر إلى المستوى العلمي المناسب في مجال القانون وأحكامه.